حصار المدينة المنورة
تابع حصار المدينة المنورة 1
شدة الحصار
بعد موسم حج عام 1343هـ/1925 بعث الملك عبد العزيز إلى جهات المدينة كلاً من فيصل الدويش وعبد المحسن الفرم، واصبح فيصل الدويش قائداً للحصار، ومع أن المدينة أصبحت محاصرة فقد وصلت اليها أسلحة وأطعمة من الاردن، مما شجع حاميتها على الخروج ومهاجمة المحاصرين لها لكنها تكبدت خسائر فادحه فعادت اليها.توجهت بعض قوات الحصار بقيادة فيصل الدويش ودخل العوالي دون قتال، ونزل في مزارع الشريف شحات وأخيه محمد، ووصلوا إلى مسجد قباء، واشتبك مع قوات الحامية، بعد ذلك استغلت حكومة الشريف علي هذه الحادثة؛ فأعلنت أخباراً مختلفة عن ذلك. فقامت حكومات الأشراف في الأردن والعراق ومندوب حكومة الشريف علي في مصر باستغلال الحادثة؛ للضغط على الملك عبد العزيز لإيقاف الحرب في الحجاز، فأثاروا الأخبار في العالم الإسلامي، وصوروا أن هناك حروباً ضارية تحدث في المدينة، وأن قبة المسجد النبوي تقصف بالمدافع. فبعث ملك مصر الملك فؤاد برقية إلى الملك عبد العزيز في 21 صفر 1344هـ/30 أغسطس 1925 قال فيها: «إن الحرب القائمة حول المدينة المنورة قد أقلقت خواطر المسلمين قاطبة؛ لما عساه يحدث من تأثيرها في الأماكن النبوية المقدسة التي نجلها جميعاً، ونحافظ على آثارها الكريمة، ولا يخفى على عظمتكم ما لهذه الأماكن من الحرمة التي توجب أن تكون بعيدة عـن كل أذى رغم ما يقتضيه أي نزاع أو خلاف. ولكن ما نعتقده في شديد غيرتكم الدينية لما يطمئن قلوبنا والمسلمين عامة على صيانة الحرم النبوي الشريف وآثار السلف الصالح بالمدينة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الملك فؤاد».فرد الملك عبد العزيز على الملك فؤاد ببرقيـة بتاريخ 26 صفر 1344هـ/15 سبتمبر 1925، قائلاً: «حضرة صاحب الجلالة ملك مصر العظيم الملك فؤاد دامت معاليه، إني أشكركم من صميم فؤادي على غيرتكم الدينية، وإني أقدر ما شرحتموه في برقيتكم حق قدره. إن حرم المدينة كحرم مكة نفديه بأرواحنا وكل ما نملك، وإن ديننا يحمينا عن الإتيان بأي حدث في المدينة المنورة، وسنحافظ على آثار السلف وكل ماهو في المدينة المنورة ممـا يهم كل مسلم المحافظة عليه. إن العدو يحاول أن يشوه وجهة جهادنا بما يفتريه من الكذب والبهتان، يحاول أن ينال بالبهتان ما عجز عنه بالسنان؛ ولكن الحق أبلج، والله مؤيد دينه وآخذ بناصية أهله ولو كره المبطلون، هذا وأرجو أن تقبلوا تحياتي واحترامي.. السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.لم تؤثر هذه الحادثة على سير المعارك حول المدينة؛ حيث بقيت محاصرة من قبل القوات بقيادة فيصل الدويش التي تنتظر استسلام الحامية، وأرسل الملك عبد العزيز إلى فيصل الدويش بالاكتفاء بحصارها حتى تستسلم
استسلام الحامية
بعد مرور عشرة أشهر على حصار المدينة، أصبح أهل المدينة يخرجون جماعات من شدة ما يعانونه من الجوع، وبدأ يظهر على الحامية آثار الحصار؛ حيث بدأت أموال الشريف شحات بن علي في النقصان، ولم يكن لديه مورد مالي يساعده. ولم يكن في استطاعة الشريف علي المحاصر في جدة إرسال المال إلى الحامية أو مساعدتها، حيث إنه كان في ضيق شديد. ومع اشتداد الحصار على حامية المدينة، وعدم وصول المساعدات إليهم مـن الشريف علي، ووصول أخبار الانتصارات التي كانت تحققها الجيوش السعودية المنتشرة في الحجاز جعل صبر الحامية ينفد. مما دفع الشريف شحات إلى الاجتماع مع بعض أهل المدينة والتشاور معهم في تسليم المدينة للملك عبد العزيز، فقرروا إرسال رسالة مع أحد تجار المدينة يسمى مصطفى عبد العال. فخرج من المدينة إلى مخيم إبراهيم النشمي الذي استقبله ثم أرسله بعد ذلك إلى الملك عبد العزيز في بحرة في منتصف ربيع الآخر 1344هـ/نوفمبر 1925. ومعه كتاب أهل المدينة المنورة متضمناً طلبهم تسلمها بشرط تأمينهم على أموالهم وأرواحهم، وابعاد فيصل الدويش، وأن يتسلم المدينة أحد أبنائه؛ عند ذلك أمر الملك عبد العزيز فيصل الدويش ومن معه من الأخوان بالرحيل، وإرسال ابنه الثالث الأمير محمد على رأس قوة تقدر في 200 من رجال الملك عبد العزيز وبعض أفراد أسرته ومعه كتاب الأمان من والده إلى جميع أهل المدينة المنورة حيث غادر الأمير محمد مكة في مساء الاثنين 22 ربيع الآخر 1344هـ/9 نوفمبر 1925. ولما علم الشريف علي بكتاب أهل المدينة غضب من الشريف شحات ومصطفى عبد العال، لكن كان موقف الشريف علي لا يسمح له بإبعاد الشريف شحات عن إدارة المدينة في ذلك الوقت الحرج، ففضل على متابعته بدلاً من أن يثير على نفسه مشكلة جديدة. فقام وكيل إمارة المدينة الشريف أحمد بن منصور وقائد حاميتها عبد المجيد باشا، بإرسال برقيات إلى دول العالم الإسلامي يكذبون فيها أخبار جريدة أم القرى بأن أهل المدينة يطلبون التسليم. وعندما وصل الأمير محمد إلى أسوار المدينة بعث إلى من فيها بكتاب الأمان الذي يحمله من والده الملك عبد العزيز لأهل المدينة؛ ولكن الرسول الذي بعثه تأخر، فأرسل بعـض رجاله لمخاطبة الحامية؛ ولكن رجال الحامية لم يسمحوا لهم بالاقتراب ولم يردوا عليهم. عند ذلك أمر الملك عبد العزيز أبنه الأمير محمد بتشديد الحصار حول المدينة.طلب قادة الحامية من الشريف علي بن الحسين إرسال المساعدات بالطائرة، فما كان منه إلا أن وعدهم بأنه سوف يرسل لهم الطائرة، لكن الحصار اشتد على قادة الحامية، ولم تصل الطائرة التي وعدهم بها الشريف علي، وبدأ الضعف بين رجال الحامية؛ حيث أخبروا الشريف علي في 10 جمادى الآولى 1344هـ/27 نوفمبر 1925 أنه ليس لديهم أرزاق إلا لثلاثة أيام، وأن القوات السعودية في ازدياد، وبدأت تشد عليهم الحصار. ولما تيقن رجال الحامية أن لا فائدة من البرقيات التي يرسلها الشريف علي، بعث قائد المدينة عبد المجيد باشا وعزت عمير كتاباً إلى الأمير محمد يطلبان ملاقاته، وأنهما سيخرجان في الساعة الرابعة من صباح الجمعة في 18 جمادى الأولى من المدينة، ولما حضرا استقبلهما الأمير محمد، وفاوضاه على التسليم على شرط إعطاء الأمان لجميع الجنود والضباط والأهالي، فأعطاهم الأمير محمد الأمان. ثم في صباح يوم السبت 19 جمادى الأولى 1344هـ/5 ديسمبر 1925 دخل الأمير ناصر بن سعود وعبد الله الفضل. وعزت - قائد الخطة - إلى المدينة مع فريق من الجنود، فاستلموا قلعة سلع وما فيها من ذخائر وعتاد، ووضعوا فيها قوة عسـكرية، ثم تسلموا جميع المواقع العسكرية والمواقع الحكومية ومقر الإمارة، ثم توجه الأمير ناصر بن سعود وعدد من رجاله مع عبد المجيد باشا إلى الإمارة. وكتبت وثيقة الصلح، كتبها عبد الله القين وصالح رفة. ثم في صباح الأحد 20 جمادى الأولى/6 ديسمبر توجه وفد من أهل المدينة إلى مخيم الأمير محمد من ضمنهم: عزت باشا وحسن عجب وذياب ناصر. وتحرك بعد ذلك الأمير محمد بجنوده مع وفد أهل المدينة متوجهاً إليها، فوصل إلى دائرة البرق، ثم سار هو ومن معه إلى باب السور؛ حيث استقبله الشريف أحمد بن منصور والشريف شحات بن علي، فسلموا عليه وأعلنوا له ولوالده الملك عبد العزيز الولاء، ثم توجه بعد ذلك إلى المسجد النبوي الشريف؛ حيث صلى فيه، ثم توجه إلى مقر الإمارة ومعه الشريفان وكبار القادة، وبدأ يستقبل أهل المدينة الذين أخذوا يتوافدون عليه معلنين الطاعة. أصبحت المدينة المنورة تابعة للحكم السعودي مع دخول قوات الأمير محمد بن عبد العزيز لها في 19 جمادى الأولى 1344هـ/5 ديسمبر 1925؛ حيث بقي ثلاثة أيام يستقبل أهالي المدينة المنورة، وفي اليوم الرابع عقد الأمير محمد اجتماعاً كبيراً مع أعيان المدينة وأهلها وكبار موظفيها في دار البلدية، وخير القاطنين فيها من الضباط والموظفين من أهل الشام والعراق وليبيا والنجديين الذين كانوا يعملون مع الحكومة الهاشمية بين البقاء في المدينة أو الرحيل إلى أية جهة يفضلونها
0 تعليقات:
إرسال تعليق
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية